وينتهي القسم المترجم من الكتاب بالحديث عن معركة الجيش العثماني مع آل سعدون. هذا عرض سريع لمحتويات الكتاب، وهو كما ذكرت مليء بالفوائد والمعلومات المهمة.
لينتقل بعد ذلك إلى الحياة في نجد، وأخلاق سكان المنطقة وعاداتهم وتقاليدهم. ثم تحدث عن سرعة البديهة والعرف في نجد والعادات المتبعة في الغزوات والحروب ثم تحدث عن العبيد، ووصف بعد ذلك أبراج المراقبة، ثم عرض سريعا لوسم الأبل وبعض أنواع الملابس وطرقها، أتبع ذلك بذكر الجراد وقال: "وتعد الجراد عندهم –أي أهل نجد– غذاء لذيذاً، ويعتبرونها فاكهة الصحراء فيأكلونها بشهية". كما تكلم عن المأكولات والأطعمة في نجد وذكر أن النجديين لا يألفون الخضروات ما عدا أهل القصيم، وأن تناول الفواكه قبل الطعام يعم في هذه المنطقة، ولاحظ أن أهل نجد لا يأكلون الثوم. جاء بعد ذلك دور القهوة وطريقة طبخها وتقديمها. أتبع ذلك بالإبل والمراكب التي توضع عليها، ومراعيها، وزينة الخيال، والنخوة العربية وصيحة الحرب وغزوات القبائل، وأعلام القبائل والمناطق. ثم ذكر أن ملكية الأرض تكون بالقدم للقبيلة التي استوطنتها أولا وأورد قصة طريفة تدل على ذلك، ثم أبدى إعجابه بالقيافة وتتبع الأثر وذكر أن بين بدو نجد كثيرا من الخبراء المهرة في تعقب آثار الجرائم، وأورد حكاية حصلت في قرية الكهفة عندما قام شخص ذميم الخلق باختطاف فتاة وقتل أمها العجوز، وأن الأمير أرسل أحد البدو المهرة لتتبع أثره حتى وجدوه وأحضر للأمير وقتل.
إذا كان لنا أن نصف ما حصل في حق «الدرعية السعودية» العام 1818 وأهلها من قتل وتهجير واستباحة للدماء المعصومة وترحيل قسري لأسرتي آل سعود وآل الشيخ إلى خارج موطنهم الأصلي، بأنها أول جريمة «سفر برلك» تركية، تبعها عدة حملات تهجير قسرية عانى منها أبناء العرب في الأراضي المقدسة خاصة المدينة المنورة في العام 1914، والشام ومصر في سنوات لاحقة. ولمن لا يعرف «السفر برلك»، هي مشروع عثماني أطلق على جرائم الترحيل القسري والإبادة الجماعية التي وظفها العثمانيون ضد خصومهم، وتعد جريمة الدرعية واحدة من الجرائم المروعة ضد الإنسانية التي ارتكبتها السلطات العثمانية بدم بارد على السكان العزل، تزامنت تلك الجريمة مع بدايات الحركة الإصلاحية في الجزيرة العربية على يدي الإمام محمد بن سعود رحمه الله والتي لم ترض عنها السلطنة العثمانية. بدأت جريمة «السفر برلك النجدية» بعد أن أمر «الباب العالي» في إسطنبول «سليمان باشا» والي بغداد، وبعده «عبدالله باشا» والي دمشق، ثم «يوسف باشا» بالهجوم على الدرعية ولكنهم جميعًا فشلوا وارتدوا على أعقابهم خاسرين بعد هزيمة ثقيلة، فأصدر السلطان العثماني ـ حينها ـ أوامره إلى «محمد علي باشا» يطلب منه السير إلى قتال الدولة السعودية في نجد.
ويقول التاريخ إن الوالي العثماني فخري باشا، قام في هذا العام باستقطاع المدينة المنورة وإلحاقها بالدولة العثمانية، وتهجير أهلها، ثم "تتريكها" بدلاً من سكانها الأصليين، حتى أنه لم يبق فيها إلا 140 رجلاً وعدة نساء. وقد أعمل فيها النهب والقتل وهتك الحرمات، وسلب كلّ مدخرات الحجرة النبوية الطاهرة، ناقبين الحائط المدار حول القبر طلباً للجواهر والنقود من هدايا الخلفاء العباسيين وأمراء المسلمين، إضافة إلى صعودهم فوق القبة الخضراء لسرقة الهلال المذهب. حيث نهب الجنود العثمانيون آلافًا من مقتنيات الحجرة النبوية الشريفة الثمينة، من بينها جوهرة الكوكب الدري والبردة النبوية ومصحف عثمان بن عفان، ومحتويات مكتبة عارف حكمت والمحمودية من مخطوطات نادرة، موجودة جميعها حالياً في متحف "توب قابي" في إسطنبول. وفي هذا السياق كتب الشيخ محمد الطيب الساسي في صحيفة القبلة بتاريخ 1917، عن تنكيل الجنود خلال حكم فخري باشا بأبناء القبائل والبدو الذين يفدون للمدينة بقليل من الأرز والدخن والذرة وغير ذلك، مما انتفع به الناس خلال الحصار، إلا أن الأتراك الطورانيين "الظالمين صاروا ينكلون بكل بدوي يأتي بشيء من أسباب المعيشة فيسلبونه ما بيده ويحبسونه ويقتلونه".
هرع «محمد علي» لتلبية أوامر السلطان العثماني بالنفور إلى الأراضي المقدسة لاحتلال الحرمين الشريفين لصالح سلطة العثمانيين، ولتحقيق ذلك جهز «محمد على باشا» حملة هائلة يكون مسارها عبر البحر لتتفادى وعورة الطريق البري وخشية من تصدي فرسان القبائل العربية لهم الذين يوالون الإمام بن سعود. وبالفعل نزل جيش محمد علي باشا في ينبع في طريقه لاحتلال المدينة المنورة، لتقوم الحرب بينه وبين رجال الدولة السعودية الأولى سجالا؛ تارة يفوز طوسن باشا فيها، وأخرى يهزم وأبوه ينجده ويمده بالرجال والسلاح، لتنتهي تلك المرحلة بسيطرة جيش «محمد علي باشا» على المدينة المنورة أولا، ثم مكة المكرمة فيما بعد. بقيت الحرب مشتعلة بين «طوسن» و«الإمام عبد الله بن سعود»، حتى عقدا صلحًا معًا، ثم عاد «طوسن» إلى مصر، لكن شروط الصلح لم ترض «محمد علي» وفقًا للأوامر الصادرة له من الحكام العثمانيين المتسلطين في «الأستانة»، ولم يصادق عليها إلا بشرط أن يُرد ما زعم أنه أُخذ من مكة والمدينة، فأجابه «الأمير عبدالله» بالنفي «ولم يقبل محمد علي باشا ـ لغرضٍ في نفس يعقوب ـ وجرّد عليه حملة جديدة تحت قيادة ابنه إبراهيم باشا هذه المرة». باشر «إبراهيم» حملته ضد الدرعية بعنف غير مسبوق وتمكن من معرفة نقاط القوة والضعف للعاصمة السعودية الأولى، وهجمت قوات الباشا من عدة جهات ولم تتمكن قوات الدولة السعودية الأولى من مقاومة الهجوم، واضطروا للتراجع بسبب القصف المدفعي على السد والقرية وما أصاب البيوت والسكان من موت وجروح وتجويع، ونقل «الأمير عبدالله» من «باب سمحان» إلى «حي الطريف»، فنزلت قوات «إبراهيم باشا» عند باب سمحان حتى استولى على «الدرعية» بعد حصار دام 7 أشهر دمرها تدميرًا، استباح فيها كل شيء، وقام لأول مرة بتهجير سكانها إلى تركيا ومصر، وأرسل الإمام عبدالله بن سعود إلى القاهرة أسيرًا، فسلّمه محمد علي بدوره إلى جنود العثمانيين الذين أتوا من الأستانة لاستلامه عائدين به إليها، وهناك قُتل وقطعوا رأسه - رحمه الله- وعلقوه على سور الباب العالي ليكون الأسر والترحيل القسري هي أول جريمة «سفر برلك» عرفها التاريخ.