(2) ولا يكتفي المخرج في "بركة يقابل بركة" بانتقاد خنق المساحات العامة، ففي خلال أحد خطوط الفيلم الأكثر بعثًا على الضحك، يقوم بركة بأداء دور "أوفيليا" حبيبة هاملت في عرض مسرحي يشترك فيه مع أحد أصدقائه في العمل. وبجانب دور هذا الخط كحدث مُحرك للكوميديا، نجد فيه انتقاد مُبطّن للمجتمع الذي يمنع المرأة من الظهور على خشبة المسرح ويجعل مما لا مفر منه أمام مخرج المسرحية أن يستعيض عنها برجل؛ وإذا ما عرفنا أن هذا بالضبط ما كان يحدث في زمان شكسبير حيث مُنعَت المرأة أيضًا من التمثيل على الملأ وقام بأداء دورها فتيان مراهقين (3) ، يصير الأمر كله بمثابة سؤال ساخر يطرح نفسه ويقول: هل يا ترى وصل المجتمع السعودي لدرجة من الرجعية الحضارية صار معها متوقفًا عند مجتمعات القرن الخامس عشر غير مُختلف عنها في الشيء الكثير؟ في إحدى مُقابلاته، قال مخرج الفيلم محمود الصبّاغ: "إيماني الشخصي أن أفضل شيء هو مقارنة السعودية بنفسها. لا تقارن السعودية بمجتمع مجاور ولا تقارنها بالشرق أو الغرب. عندما تقارن السعودية بنفسها فأنت أمام واقع محرج". وهذا ما فعله في "بركة يقابل بركة"، حيث جعل منه مساحة مفتوحة للمقارنات التي تضمنت السعودية على كلا الطرفين وعلى أكثر من مُستوى.
لكن يظل محمود الصبّاغ مُتمسكًا بالأمل ويقول: " أنا لست خائف لأن هذا الفيلم هو فن والفن هو نوعٌ من الحوار دائماً. إن صناعة الأفلام في أي مكانٍ في العالم تلاقيه الصعوبات وخصوصاً في السعودية حيث صناعة الأفلام ليست نشاط صناعي. في المراحل الأولى، سوف تفتقر للمنشآت الممولة والمؤسسات والمدارس والإطار القانوني ولكن الشغف هو ما يدفعنا". (7)
" أي تغبيش في هذا الفيلم هو فعل استباقي متعمد لمحاكاة خطاب الرقابة المحلي. يسعدنا أن نيسّر على الآخرين عملهم " (محمود الصباغ) بهذا العبارة، اختار محمود الصبّاغ مخرج ومؤلف "بركة يقابل بركة" أن يبدأ فيلمه. وفيها نجد الكثير من السخرية التي لا تخلو من لمحة مرارة كونها نابعة من جوف الواقع. وقد جاءت هذه الجملة البسيطة لتعكس الجو العام للفيلم، وكأن المخرج أراد بها أن يضبط للمشاهد توقعاته عما سيراه بعد قليل ويقول له: سُتشاهد ما يجعلك تضحك، لكن لا تجعل ضحكاتك تضيع في الفضاء بلا جدوى، بل حاول أن تجعل صداها يمس عقلك ويحملك على التفكير. رغم تصريح المُخرج في أحد اللقاءات أنه لم يصنع "بركة يقابل بركة" وفي نيته إطلاق فيلم كوميدي، إلا أن قصة الفيلم في ذاتها بدت كأرضٍ خصبة على استعداد أن تطرح الكثير من الضحكات إن ولّاها صاحبها العناية الكافية. (1) فيدور الخط الأساسي حول وقوع "بركة"، الموظف الحكومي الذي تجعله وظيفته يعيش حياة تقليدية يغلب عليها الملل ويسكن في منطقة متواضعة أقرب جيرانها إلى قلبه "سعدية الداية" وعمه "دعّاش"-العوّاد قديم مُدمن الأرجيلة الحالي، في حب "بيبي"، ابنة مالكة إحدى ماركات الأزياء الفاخرة والتي تعمل كعارضة أزياء -"فاشونستا"- على تطبيق الانستجرام حيث تملك مليون مُتابع وتسكن مع والديها فيللا فارهة.